كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم استدل على حقية المبدأ والمعاد بوجوه أخر: منها بناء السماء ورفعها بلا عمد ولا فروج أي شقوق وفتوق ولكنها صحيحة الاستدارة من جميع الجوانب. وليس في الآية دلالة على امتناع الخرق على السماء لأن الإخبار عن عدم الوقوع لا ينافي إمكانه. نعم إنه مناف لوجود نحو الأبواب فيها ظاهرًا اللهم إلا أن تدعي المغايرة بين الفروج والأبواب. وفي قوله: {فوقهم} مزيد توبيخ لهم ونداء عليهم بغاية الغباوة. ومنه مدّ الأرض أي دحوها. ومنها خلق الجبال الرواسخ. ومنها خلق أصناف النبات مما يبتهج به ويروق الناظر لخضرته ونضرته كل ذلك ليتبصر به ويتذكر من يرجع إلى ربه ويفكر في بدائع المخلوقات ويرتقي إلى الصانع من المصنوعات.
ومنها إنزال ماء المطر الكثير المنافع المنبت للجنات والحبات. والحصيد صفة موصوفة محذوفة أي وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالحنطة وغيرها من الأقوات ونحوها. والباسقات التي طالت في السماء، والطلع أوّل ما يبدو من من ثمر النخيل، والنضيد الذي نضد بعضه فوق بعض، والمراد كثرة الطلع وتراكمه المستتبع لكثرة الثمر. ثم شبه بإحياء الأرض خروج الموتى كما قال في الروم {وكذلك تخرجون} [الآية: 19] ثم هدّدهم بأحوال الأمم السالفة وقد مر قصصهم مرارًا. وأما حديث أصحاب الرس فلم يذكر إلا في (الفرقان) وحديث تبع في (الدخان).
وأراد بفرعون قومه لأن المعطوف عليه أقوام {فحق وعيد} مثل {فحق عقاب} [ص: 14] وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم دل على الحشر بضرب آخر من البيان وهو أن الذي لم يعي أي لم يعجز عن الخلق الأول بالنسبة إلى أيّ مخلوق فرض كيف يعجز عن الإعادة؟ واللبس الخلط والشبهة، وتنكير اللبس والخلق الجديد للتعظيم أي لبس عظيم، وخلق له شأن وحق عليه أن يهتم به ولا يغفل عنه.
ثم شرع في تقرير خلق الإنسان الدال على شمول علم الله سبحانه وعظيم قدرته على بدئه وإعادته. والوسوسة الصوت الخفي. والباء في {به} للتعدية و(ما) مصدرية أي نعلم جعل نفسه إياه موسوسًا. والقرب مجاز عن العلم التام كقولهم هو منى مقعد القابلة ومعقد الإزار وما في الآية دل على الإفراط في القرب لأن الوريد جزء من بدن الإنسان يريد أن علمه ينفذ في بواطن الأشياء نفود الدم في العروق. والوريد العرق الحامل للدم سوى الشرايين، سمي وريدًا لأن الروح أو الدم يرده. والوريدان عرقان يكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها يتشعبان من الرأس يتصلان بالوتين. والحبل العرق أيضًا شبه بواحد الحبال والإضافة للبيان كإضافة العام إلى الخاص. قال جار الله: {إذ} منصوب ب {أقرب} والمراد أنه أقرب نم الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به. وفيه أن كتابة الملكين لا حاجة إليها لعلام الغيوب وإنما هي لأغراض أخر كإلزام العبد واستحيائه منهما. عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن مقعد ملكيك على- ثنييك أي عطفيك- ولسانك قلهما وريقك مدادهما وأنت تجري فيما لا يعنيك لا تستحي من الله ولا منهما» ويجوز أن يكون تلقى الملكين بيانًا للقرب فكأنه قيل: لا يخفى عليه شيء لأنه حفظته موكلون به. والتلقي التلقن بالحفظ والكتبة، والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس، والتقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فاختصر المفاعلة. وإما بالنسبة إلى الملك الآخر وإما بالإضافة إلى الإنسان، والعتيد الحاضر.
قال أكثر المفسيرين: إنهما يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه. وقيل: لا يكتبان إلا الحسنات والسيئات. وقيل: إن الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه وعند جماعه. وحين حكى إنكارهم البعث واحتج عليهم بالدلائل الباهرة أخبر عن قرب القيامتين الصغرة والكبرى بأن عبر عنهما بلفظ الماضي وهو قوله: {وجاءت سكرة الموت} ونفخ في الصور وسكرات الموت حالاته الذاهبه بالعقل. والباء في {بالحق} للتعدية أي أحضرت السكرة حقيقة الأمر وجلبة الحال من تحقق وقوع الموت أو من سعادة الميت أو ضدّها كما نطق بها الكتاب والسنة، أو المراد وجاءت ملتبسة بالغرض الصحيح الذي هو ترتب الجزاء على الأعمال {ذلك} المجيء {ما كنت منه تحيد} أي تميل وتهرب أيها الإنسان. ولا ريب أن هذا الهرب للفاجر يكون بالحقيقة وللبر يكون بسبب نفرة الطبع إلا أنه إذا فكر في أمر نفسه وما خلق هو لأجله علم أن الموت راحة وخلاص عن عالم الآفات والبليات. قوله: {ذلك يوم الوعيد} إشارة إلى النفخ والمضاف محذوف أي وقت النفخ الثاني آن زمان الوعيد. والسائق والشاهد ملكان، أحدهما يسوقه إلى المحشر أو إلى الجنة أو النار كما قال: {وسيق} والآخر يشهد عله بأعماله ويجوز أن يكون ملكًا واحدًا جامعًا بين الأمرين. ويجوز أن يكون الرقيب المذكور والجملة حال من كل لأنه لعمومه كالمعرفة. ثم يقال للإنسان.
{لقد كنت} في الدنيا {في غفلة من هذا} الأمر {فكشفنا عنك} بقطع العلائق الحسية ومفارقة النفس الناطقة {غطاءك} وهو الاشتغال بعالم المحسوسات {فبصرك اليوم حديد} غير كليل متيقظ غير نائم. وقال ابن زيد: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] أي كنت قبل الوحي في غفلة من هذا العلم. ثم بين أن الشيطان الذي هو قرين كل فاجر لقوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطان} [الزخرف: 36] يقول لأهل المحشر أو لسائر القرناء قد أعتدت قريني لجهنم وهيأته لها. إن جعلت (ما) موصوفة ف {عتيد} صفة لها وإن جعلتها موصولة ف {عتيد} بدل أو خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف. ويحتمل أن يقول الشيطان لقرينه هذا البلاء النازل بك مما أعددته لك {ألقيا} خطاب من الله للملكين السائق والشهيد أو للواحد على عادة قول العرب (خليلي) و(قفا).
وذلك أن أكثر الرفقاء يكون ثلاثة. وقال المبرد: التثنية للتأكيد كأنه قيل: ألق ألق. نزلت تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل لاتحادهما. وجوز أن يكون الألف بدلًا من نون التأكيد الخفيفة إجراء للوصل مجرى الوقف يؤيده قراءة الحسن {ألقين}.
{عنيد} ذي عناد أو معاند {مناع للخير} كثير المنع للمال عن حقوقه أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله.
وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة كان يمنع بني أخيه من الإسلام وكان يقول: من دخل منكم في الإسلام لم أنفعه بخير ما عشت.
{معتد} ظالم {مريب} مشكك أو شاك في دين الله. قوله: {قال قرينه} جاء على طريقة الاستئناف بخلاف ما تقدّم فإنه جاء على طريق العطف كأن قرينه- وهو الفاجر- قال: يا رب إنه أطغاني فأجاب القرين وهو الشيطان {ربنا ما أطغيته} ما أوقعته في الطغيان {ولكن كان} في الأزل {في ضلال بعيد} وقالت المعتزلة: ولكنه اختار الضلالة على الهدى.
ثم ذكر كلامًا آخر مستأنفًا كأن سائلًا سأل فماذا قال الله؟ فقيل: {قال لا تختصموا} وهذا هو الذي دل على أن ثمة مقاولة من الكافر لكنها طويت لدلالة الاختصام عليها والمعنى لا تختصموا في موقف الحساب {و} الحال أني {قد قدمت إليكم} وفيه أن اختصامهم كان يجب أن يكون قبل ذلك في الدنيا كما قال: {إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوًّا} [فاطر: 6] والباء في {بالوعيد} إما مزيدة أو للعتدية على أن قدّم بمعنى تقدّم أو هو حال والمفعول جملة. قوله: {ما يبدّل} إلى آخره. أي قدّمت إليكم هذا الكلام مقرونًا بالوعيد. قال في الكشاف: فإن قلت: إن قوله: {وقد قدّمت} حال من ضمير {لا تختصموا} فاجتماعهما في زمان واحد واجب وليس كذلك لأن التقديم في الدنيا والاختصام في الآخرة. قلت: معناه لا تختصموا وقد صح عندكم أني قدّمت إليكم بالوعيد وصحة ذلك عندهم في الآخرة. وأقول: لا حاجة إلى هذا التكلف والسؤال ساقط بدونه لأن مضيّ الماضي ثابت في أيّ حال فرض بعده. وقوله: {لدي} إما أن يتعلق بالقول أي ما يبدّل القول الذي هو لديّ يعني ألقيا في جهنم، أو لأملأن جهنم، أو الحكم الأزلي بالسعادة والشقاوة. وإما أن يتعلق بقوله: {ما يبدّل} أي لا يقع التبديل عندي. والمعاني كما مرت. ويجوز أن يراد لا يكذب لديّ ولا يفتري بين يديّ فإني عالم بمن طغى وبمن أطغى. ويحتمل أن يراد لا تبديل للكفر بالإيمان فإن إيمان اليأس غير مقبول. فقولكم (ربنا وإلهنا) لا يفيدكم {يوم نقول} منصوب ب {ظلام} أو ب (أذكر) قال أهل المعاني: سؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تقرير المعنى في النفس. وقوله: {هل من مزيد} أي من زيادة، أو هو اسم مفعول كالمبيع ليبان استكثار الداخلين كما أن من يضرب غيره ضربًا مبرحًا أو شتمه شتمًا فاحشًا يقول له المضروب: هل بقي شيء آخر يدل عليه قوله سبحانه: {لأملأن جهنم} فلابد أن يحصل الامتلاء فكيف يبقى في جهنم موضع خال حتى تطلب المزيد؟ ويحتمل أنها تطلب الزيادة بعد امتلائها غيظًا على العصاة وتضيقًا للمكان عليهم، أو لعل هذا الكلام يقع قبل إدخال الكل.
وفيه لطيفة وهي أن جهنم تغيظ على الكفار فتطلبهم، ثم يبقى فيها موضع لعصاة المسلمين فتطلب الامتلاء من الكفار كيلا ينقص إيمان العاصي حرها، فإذا أدخل العصاة النار سكن غيظها وسكن غضبها وعند هذا يصح ما ورد في الأخبار، وإن جهنم تطلب الزيادة حتى يضع الجبار فيها قدمه والمؤمن جبار يتكبر على ما سوى الله تعالى ذليل متواضع لله. وروي أنه لا يلقى فيها فوج إلا ذهب ولا يملؤها شيء فتقول: قد أقسمت لتملأني فيضع تعالى فيها قدمه أي ما قدّمه في قوله «سبقت رحمتي غضبي» أي يضع رحمته فتقول: قط قط ويزوي بعضها إلى بعض ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله خلقًا فيسكنون فضول الجنة. قلت: لا ريب أن جهنم الحرص والشهوة والغضب لا تقر ولا تسكن ولا تنتهي إلى حدّ معلوم، بل تقول دائمًا بلسان الحال هل من مزيد إلا أن يفيض الله سبحانه عليها من سجال هدايته ورحمته فيتنبه صاحبها وينتهي عن طلب الفضول ويقف في حدّ معين ويقنع بما تيسر، وكذا الترقي في مدارج الكمالات ليس ينتهي إلى حدّ معلوم إلا إذا استغرق في بحر العرفان وكان هنالك ما كان كما قال: {وأزلفت الجنة للمتقين} أي قربت للمتقين يحتمل أن تكون الواو للاسئناف وأن تكون للعطف على {نقول} والمضي لتحقيق الوقوع المستدعي لمزيد البشارة ولم يكن المنذرون مذكورين في الآية المتقدّمة فلم يحتج إلى تحقيق الإنذار. وقوله: {غير بعيد} نصب على الظرف أي مكانًا غير بعيد عنهم، أو على الحال. ووجه تذكيره مع تأنيث ذي الحال كما تقرر في قوله: {إن رحمة الله قريب} [الأعراف: 56] أنه على زنة المصدر كالزفير والصهيل، أو هو على حذف الموصوف أي شيئًا غير بعيد. قال جار الله: معناه التوكيد كما تقول هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل، وذلك أنه يجوز أن يتناول العزيز ذلّ ما من بعض الوجوه إلا أن الغالب عليه العز فإذا قيل عزيز غير ذليل أزيل ذلك الوهم، وهكذا في كل تأكيد. فمعنى الآية أن الجنة قريب منهم بكل الوجوه وجميع المقايسات. وقال آخرون: إنه صفة مصدر محذوف أي إزلافًا غير بعيد عن قدرتنا، وذلك إن المكان لا يقرب وإنما يقرب منه فذكر الله سبحانه إن إزلاف المكان ليس ببعيد عن قدرتنا بطيّ المسافة وغير ذلك. ويحتمل أن يقال: الإزلاف بمعنى قرب الحصول كمن يطلب من الملك أمرًا خطيرًا فيقول الملك بعيد عن ذلك أو قريب منه، ولا ريب أن الجنة بعيدة الحصول للمكلف لولا فضل الله ورحمته ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يدخل الجنة إلا بفضل الله. فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».
وقوله: {غير بعيد} يراد به القرب المكاني كأنه تعالى ينقل الجنة من السماء إلى الأرض فيحصل فيها المؤمن. ومما سنح لهذا الضعيف وقت كتبه تفسير هذه الآية أن الشيء ربما يقرب من شخص ولكن لا يوهب منه، وقد يملكه ولكن لا يكون قريبًا منه فذكر الله سبحانه في الآية إن الجنة تقرب لأجل المتقين غير بعيد الحصول لهم بل كما قربت دخلوها وحصلوا فيها لا كما قيل:
على أن قرب الدار ليس بنافع ** إذا كان من تهواه ليس بذي ود

وفي المثل البعيد القريب خير من القريب البعيد وذلك لأنهم حصلوا استعداد دخول الجنة وهو التقوى بخلاف الفاجر فإنه لا ينفعه القرب من الجنة لأن ملكاته الذميمة تحول بينه وبينها. ولك أن تشبه حالهما بحال الكبريت الجيد والحطب الرطب إذا قربا من الجمر، وذلك أن تعتبر هذه الحالة في الدنيا فإن أهل الصلاح وأرباب النفوس المطمئنة يقبلون بل يستقبلون كل خير يعرض عليهم، وأهل الشقاوة وأصحاب النفوس الأمارة يكون حالهم بالعكس يفرون من الخيرات والكمالات ويألفون الشرور واللذات الزائلات. ووجه آخر وهو أن الجنة قربت لهم حال كون كل واحد منهم غير بعيد عن لقاء الله ورضاه، وفيه أن المتقين هم أهل الله وخاصته ليسوا بمن شغلوا بالجنة عن الاستغراق في لجة العرفان بل لهم مع النعيم المقيم لقاء الرب الكريم. قوله عز من قائل {هذا ما توعدون} قال جار الله: إنه جملة معترضة. وقوله: {لكل أوّاب حفيظ} بدل من قوله: {للمتقين} قلت: ولو جعل خبرًا ثانيًا لهذا لم يبعد. والمشار إليه الثواب أو الإزلاف. والأوّاب الرجاع إلى الله بالإعراض عما سواه، والحفيظ الحافظ لحدود اللهأو لأوقات عمره أو لما يجده من المقامات والأحوال فلا ينكص على عقبيه فيصير حينئذ مريدًا لطريقه. قوله: {من خشي} قد مر وجوه إعرابه في الوقوف. وجوز أن يكون منادي كقولهم «من لا يزال محسنًا أحسن إليّ» وحذف حرف النداء للتقريب والترحيب، وقرن بالخشية اسمه الدال على وفور الرحمة للثناء على الخاشي من جهة الخشية أوّلًا ومن جهة خشيته مع علمه بسعة جوده ورحمته ومن جهة الخشية مع الغيب وقد مر مرارًا، وقد يقال: إنها الخشية في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال أهل الاشتقاق: إن تركيب خ ش ى يلزمها الهيبة ومنه للسيد ولكبير السن وتركيب الخوف يدل على الضعف ومنه الخفاء، وكل موضع ذكر فيه الخشية أريد بها معنى عظمة المخشي عنه، وكل موضع ذكر فيه الخوف فإنه أريد ضعف الخائف كقوله: {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50] أو ضعف المخوف منه كقوله: {لا تخف ولا تحزن} [العنكبوت: 33] يريد أنه لا عظمة لهم وقال: {إنا نخاف من ربنا يومًا} [الإنسان: 10] لأن عظمة اليوم بالنسبة إلى عظمة الله هينة. ووصف القلب بالمنيب باعتبار صاحبه أو لأن الإنابة المعتبرة هي الرجوع إلى الله بالقلب لا اللسان والجوارح {ادخلوها بسلام} أي سالمين من الآفات أو مع سلام من الله وملائكته {ذلك} إشارة إلى قوله: {يوم نقول} أي ذلك اليوم {يوم} تقدير {الخلود} في النار أو في الجنة ويجوز أن يكون إشارة إلى وقت القول أي حين يقال لهم ادخلوها هو وقت تقدير الخلود في الجنة يؤيده قوله بعده {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} مما لم يخطر بالقلوب. ويجوز أن يراد به الذي ذكر في قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] ويروى أن السحاب تمر بأهل الجنة فتمطر عليهم الحور فتقول الحور: نحن المزيد الذي قال الله تعالى: {ولدينا مزيد}.
ثم عاد إلى التهديد بوجه أجمل وأشمل قائلًا {وكم أهلكنا} الآية. ومعنى الفاء في قوله: {فنقبوا} للتسبيب عما قبله من الموت كقوله (هو أقوى من زيد فغلبه) أي شدّة بطشم أقدرتهم على التنقيب وأورثتهم ذلك وساروا في أقطار الأرض وسألوا {هل من محيص} أي مهرب من عذاب الله فعلموا أن لا مفر {إن في ذلك} الذي ذكر من أوّل السورة إلى هاهنا أو من حديث النار والجنة أو من إهلاك الأمم الخالية {لذكرى لمن كان له قلب} واع فإن الغافل في حكم عديم القلب وإلقاء السمع الإصغاء إلى الكلام وفي قوله: {وهو شهيد} إشارة إلى أن مجرد الإصغاء لا يفيد ما لم يكن المصغي حاضرًا بفطنته وذهنه. وفي الآية ترتيب حسن لأنه إن كان ذا قلب ذكيّ يستخرج المعاني بتدبره وفكره فذاك وإلا فلابد أن يكون مستمعًا مصغيًا إلى كلام المنذر ليحصل له التذكير. قال المفسرون: زعمت اليهود إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، أوّلها الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش فردّ الله عيلهم بقوله: {ولقد خلقنا} إلى قوله: {وما مسنا من لغوب} أي إعياء. ثم سلى رسوله فأمره بالصبر على أذى الكفار. وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى مع كمال قدرته واستغنائه صبر على أذى الجهلة الذين نسبوه إلى اللغوب والاحتياج إلى الاستراحة، فكيف لا يصبر رسوله على إيذاء أمته؟ بل كيف لا يصبر أحدنا على أذى أمثالنا وخاصة إن كانوا مسلطين علينا؟ اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا وادفع عنا بقدرتك شر كل ذي شر واغوثاه واغوثاه واغوثاه. وقد سبق نظير الآية في آخر (طه) ودلالتها على الصلوات الخمس ظاهرة {وأدبار السجود} أعقاب الصلوات فإن السجود والركوع يعبر بهما عن الصلاة، والأظهر أنه الأدعية والأذكار المشتملة على تنزيه الله تعالى وتقديسه. قيل: النوافل بعد المكتوبات.